كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذهب أبو حنيفة: إلى الفرق بين من حلق لعذر ومن حلق لغير عذر، فإن حلقه لعذر، فعليه الفدية المذكورة في الآية على سبيل التخيير، وفاقا للجمهور، وإن كان حلقه لغير عذر تعين عليه الدم دون الصيام والصدقة، ولا أعلم لأقوالهم رحمهم الله في هذه المسألة نصًا واضحًا يجب الرجوع إليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
أما الذين قالوا: إن فدية غير المعذور كفدية المعذور. فاحتجوا، بأن الحلق إتلاف، فاستوى عمده وخطأه كقتل الصيد. قالوا: ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور، فكان ذلك تنبيهًا على وجوبها على غير المعذور. اهـ. ولا يخفى أن هذا النوع من الاستدلال وأمثاله ليس فيه مقنع.
وأما الذين فرقوا بين المعذور وغيره، وهم الحنفية فاستدلوا بظاهر قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قالوا: فرتب الفدية المذكورة على العذر، فدل ذلك على أن من ليس له عذر، لا يكون له هذا الحكم المرتب على العذر خاصة.
احتج بعض أجلاء علماء الشافعية على استدلال الحنفية بالآية المذكورة بأنه قول بدليل الخطاب: يعني مفهوم المخالفة، والمقرر في أصول الحنفية: عدم الاحتجاج بدليل الخطاب.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا يلزم الحنفية احتجاج الشافعية المذكور عليهم لأنهم يقولون: نعم نحن لا نعتبر مفهوم المخالفة، ولَكِن نرى أن قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} الآية ليس فيه تعرض لحكم الحالق لغير عذر، لا بنفي الفدية المذكورة، ولا بإثباتها وقد ظهر لنا من دليل آخر خارج عن الآية: أنه يلزمه دم. اهـ. ولا خلاف بين أهل العلم: أن صيام الفدية له أن يصومه حيث شاء، والأظهر عندي في النسك، والصدقة أيضًا أن له أن يفعلهما حيث شاء، لأن فدية الأذى أشبه بالكفارة منها بالهدي، ولأن الله لم يذكر للفدية محلًا معينًا، ولم يذكره النَّبي صلى الله عليه وسلم وسماها نسكًا ولم يسمها هديا، والظاهر أنه لا مانع من أن ينوي بالنسك المذكور الهدي، فيجري على حكم الهدي، فلا يصح في غير الحرم، إلا أنه لا يجوز له الأكل منه، لأنه في حكم الكفارة، كما قاله علماء المالكية، وعند الحنفية، ومن وافقهم يختص النسك المذكور بالحرم. والعلم عند الله تعالى. أما إذا كان الذي حلقه بعض شعر رأسه لا جميعه، أو كان شعر جسده، أو بعضه لا شعر الرأس، فليس في ذلك نص صريح من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، لأن الله جل وعلا إنما ذكر في آية الفدية: حلق الرأس، وظاهرها حلق جميعه لا بعضه، والعلماء مختلفون في ذلك ولم يظهر لنا في مستندات أقوالهم. ما فيه مقنع، يجب الرجوع إليه والعلم عند الله تعالى.
فذهب مالك رحمه الله وأصحابه إلى أن ضابط ما تلزم به فدية: الأذى من الحلق هو حصول أحد أمرين:
أحدهما: أن يحصل له بذلك ترفه.
والثاني: أن يزيل عنه به أذى. أما حلق القليل من شعر رأسه، أو غيره مما لا يحصل به ترفه، ولا إماطة أذى، فيلزم فيه التصدق بحفنة: وهي يد واحدة، وكذلك عندهم الظفر الواحد لا لإماطة أذى، وقتل القملة أو القملات.
وقال ابن القاسم في المدونة: ما سمعت بحد فيما دون إماطة الأذى أكثر من حفنة من شيء من الأشياء، وقد قال في قملة أو قملات حفنة من طعام، والحفنة بيد واحدة. انتهى بواسطة نقل المواق في شرحه لقول خليل في مختصره، وفي الظفر الواحد، لا لإماطة الأذى حفنة. اهـ.
وذهب الشافعي وأصحابه: إلى أن حلق ثلاث شعرات فصاعدًا تلزم فيه فدية الأذى كاملة، واحتجوا بأن الثلاث: يقع عليها اسم الجمع المطلق، فكان حلقها كحلق الجميع، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وقال القاضي: إنها المذهب، وبذلك قال الحسن، وعطاء، وابن عيينة وأبو ثور، كما نقله عنهم صاحب المغني. أما حلق الشعرة الواحدة، أو الشعرتين فللشافعية فيه أربعة أقوال:
الأول: وهو أصحها عند محققيهم، وهو نص الشافعي في أكثر كتبه: أنه يجب في الشعرة الواحدة مد وفي الشعرتين مدان.
الثاني: يجب في شعرة واحدة درهم، وفي شعرتين درهمان.
الثالث: يجب في شعرة: ثلث دم وفي شعرتين: ثلثاه.
الرابع: أن في الشعرة الواحدة دمًا كاملًا. ومذهب الإمام أحمد: وجوب الفدية كاملة في أربع شعرات فصاعدًا، وهذه الرواية اقتصر عليها الخرقي، وقد قدمنا قريبًا، الرواية عنه بوجوب الفدية بثلاث شعرات فصاعدًا. أما ما هو أقل من القدر. الذي يوجب الفدية، وهو ثلاث شعرات، أو شعرتان بحسب الروايتين المذكورتين ففي الشعرة الواحدة: مد من طعام، وفي الشعرتين: مدان، وعنه أيضًا في كل شعرة: قبضة من طعام، وروي نحوه عن عطاء.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن حلق ربع رأسه، أو ربع لحيته، أو حلق عضوًا كاملًا كرقبته، أو عانته أو أحد إبطيه، ونحو ذلك: لزمته فدية الأذى، إن كان ذلك لعذر، وإن كان لغير عذر: لزمه دم، ويلزم عنده في حلق أقل مما ذكر كحلق أقل من ربع الرأس، أو ربع اللحية، أو أقل من عضو كامل صدقة، والصدقة عندهم: نصف صاع من بر، أو صاع من غيره.
وروي عن أبي حنيفة وأصحابه: أن في كل شعرة قبضة من طعام كما ذكره عنهم صاحب المغني.
وأما حلق شعر البدن غير الرأس، فقد علمت مما ذكرنا آنفًا أن مذهب أبي حنيفة فيه: أنه إن حلق عضوًا كاملًا ففيه الفدية أو الدم، وإن حلق أقل من عضو، ففيه الصدقة، وأن حكم اللحية عنده كحكم الرأس، وحلق الربع فيهما كحلق الجميع.
ومذهب الشافعي أن حلق شعر الجسد غير الرأس كحكم حلق الرأس، فتلزم الفدية في ثلاث شعرات فصاعدًا، سواء كانت من شعر الرأس أو غيره من الجسد، وفي الشعرة، أو الشعرتين من الجسد عندهم الأقوال الأربعة المتقدمة، وإن حلق شعر رأسه وشعر بدنه معًا، لزمه عند الشافعي، وأصحابه: فدية واحدة، خلافًا لأبي القاسم الأنماطي القائل: يلزمه فديتان، محتجًا بأن شعر الرأس مخالف لشعر البدن، لأن النسك يتعلق بشعر الرأس، فيلزم حلقه، أو تقصيره بخلاف شعر البدن.
واحتج الشافعية بأنهما، وإن اختلف حكمهما في النسك فهما جنس واحد، فأجزأت لهما فدية واحدة.
ومذهب الإمام أحمد في هذه المسألة كمذهب الشافعي فشعر الرأس وشعر البدن حكمهما عنده سواء. وإن حلق شعر رأسه، وبدنه: فعليه فدية واحدة، وعنه رواية أخرى: أنه يلزمه دمان، إذا حلق من كل من الرأس، والجسد ما تجب به الفدية منفردًا عن الآخر كقول الأنماطي المتقدم.
قال في المغني: وهو الذي ذكره القاضي، وابن عقيل، لأن الرأس يخالف البدن، بحصول التحلل به دون البدن، ولنا أن الشعر كله جنس واحد في البدن، فلم تتعدد الفدية فيه باختلاف مواضعه كسائر البدن، وكاللباس، ودعوى الاختلاف تبطل باللباس فإنه يجب كشف الرأس، دون غيره، والجزا في اللبس فيهما واحد.
وقال ابن قدامة في المغني أيضًا: وإن حلق من رأسه شعرتين، ومن بدنه شعرتين فعليه دم واحد هذا ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي الخطاب، ومذهب أكثر الفقهاء. ومذهب مالك في هذه المسألة: أن شعر البدن كشعر الرأس فإن حلق من شعر بدنه ما فيه ترفه، أو إماطة أذى: لزمته الفدية، وإلا فالتصدق بحفنة بيد واحدة.
وسئل مالك: عن المحرم يتوضأ فيمر يديه على وجهه، أو يخلل لحيته في الوضوء، أو يدخل يده في أنفه لمخاط ينزعه، أو يمسح رأسه أو يركب دابته، فيحلق ساقه إلا كاف أو السرج؟ قال مالك: ليس عليه في ذلك كله شيء، وهذا خفيف، ولابد للناس منه انتهى بواسطة نقل أبي الخطاب في كلامه على قول خليل، وتساقط شعر لوضوء أو ركوب. اهـ.
وإذا علمت أقوال الأئمة رحمهم الله في شعر الجسد. فاعلم أني لا أعلم لشيء منها مستندًا من نص كتاب، أو سنة.
والأظهر أنهم قاسوا شعر الجسد على شعر الرأس، بجامع أن الكل قد يحصل بحلقه الترفه، والتنظف، والظاهر أن اجتهادهم في حلق بعض شعر الرأس يشبه بعض أنواع تحقيق المناط، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثالث عشر في حكم قص المحرم أظافره أو بعضها:
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فالصحيح مِن مذهب مالك: أنه إن قلم ظفرين فصاعدًا: لزمته الفدية مطلقًا، وإن قلم ظفرًا واحدًا، لإماطة أذى عنه: لزمته الفدية أيضًا، وإن قلمه لا لإماطة أذى: لزمه إطعام حفنة بيد واحدة.
قال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل في مختصره: وفي الظفر الواحد لا لإماطة الأذى حفنة، ما نصه: أما لو قلم ظفرين فلم أرَ في ابن عبدالسلام والتوضيح، وابن فرحون في شرحه، ومناسكه وابن عرفة، والتادلي، والطراز وغيرهم خلافًا في لزوم الفدية، ولم يفصلوا كما فصلوا في الظفر الواحد والله أعلم انتهى منه.
ولا ينبغي أن يختلف في أن الظفر إذا انكسر جاز أخذه، ولا شيء فيه، لأنه بعد الكسر لا ينمو فهو كحطب شجر الحرم. والله أعلم.
ومذهب الشافعي وأصحابه: أن حكم الأظفار كحكم الشعر، فإن قلم ثلاثة أظفار، فصاعدًا، فعليه الفدية كاملة، وأظفار اليد والرجل في ذلك سواء، وإن قلم ظفرًا واحدًا أو ظفرين ففيه الأقوال الأربعة فيمن حلق شعرة واحدة أو شعرتين، وقد قدمنا أن أصحها عندهم أن في الشعرة: مدًا، وفي الشعرتين: مدين، وباقي الأقوال المذكورة موضح قريبًا ومذهب الإمام أحمد في الأظفار كمذهبه في الشعر، ففي أربعة أظفار، أو ثلاثة على الرواية الأخرى: فدية كاملة، وحكم الظفر الواحد كحكم الشعرة الواحدة، وحكم الظفرين كحكم الشعرتين. وقد تقدم موضحًا قريبًا.
ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: أنه لو قص أظفار يديه ورجليه جميعًا بمجلس واحد، أو قص أظفار يد واحدة كاملة في مجلس، أو رجل كذلك لزمه الدم، وإن قطع مثلًا خمسة أظفار ثلاثة من يد واثنان من رجل، أو يد أخرى، أو عكس ذلك: فعليه الصدقة: هي نصف صاع من بُر عن كل ظفر، والمعروف عند الحنفية في باب الفدية: أن ما كان لعذر ففيه فدية الأذى المذكورة في الىية، وما كان لغير عذر ففيه الدم كما تقدم. أما لو قص أظفار إحدى يديه، أو رجليه في مجلس، والأخرى في مجلس آخر، فعند أبي حنيفة، وأبي يوسف: يتعدد الدم، حتى إنه يمكن أن تلزمه أربعة دماء للرجلين واليدين، إذا كانت كل واحدة في مجلس، وعند محمد: لا يلزمه إلا دم واحد، ولو تعددت المجالس إلا إذا تخللت الكفارة بينهم، وقد علمت أنه لو قص أظافر أكثر من خمسة متفرقة من الرجلين واليدين: ليس عليه إلا الصدقة عندهم.
وقال زفر: يجب الدم بقص ثلاثة أظفار من اليد أو من الرجل، وهو قول أبي حنيفة الأول، بناءً على اعتبار الأكثر، والثلاثة أكثر من الباقي بعدها بالنسبة إلى الخمسة.
وقال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم، وهو قول حماد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن عطاء، وعنه لا فدية عليه، لأن الشرع لم يرد فيه بفدية، ولم يعتبر ابن المنذر في حكايته الإجماع قول داود الظَّاهري: إن المحرم له أن يقص أظفاره، ولا شيء عليه لعدم النص، وفي اعتبار داود في الإجماع خلاف معروف، والأظهر عند الأصوليين اعتباره في الإجماع. والله تعالى أعلم.
ثم قال صاحب المغني: ولنا أنه أزال ما منع إزالته لأجل الترفه، فوجبت عليه الفدية كحلق الشعر، وعدم النص فيه، لا يمنع قياسه. كشعر البدن مع شعر الرأس، والحكم في فدية الأظفار كالحكم في فدية الشعر سواء في أربعة منها: دم. وعنه في ثلاثة: دم، وفي الظفر الواحد: مد من طعام وفي الظفرين: مدان على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف فيه.
وقول الشافعي وأبي ثور كذلك انتهى محل الغرض منه.
وإذا عرفت مذاهب الأئمة في حكم قص المحرم أظفاره، وما يلزمه في ذلك فاعلم أني لا أعلم لأقوالهم مستندًا من النصوص، إلا ما ذكرنا عن ابن المنذر، من الإجماع على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، أما لزوم الفدية، فلم يدع فيه إجماعًا، وإلا ما جاء عن بعض السلف من الصحابة التابعين، من تفسير آية الحج، فإنه يدل على منع المحرم من أخذ أظفاره كمنعه من حلق شعره حتى يبلُغ الهديُ مَحِلَّه، والآية المذكورة هي قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] الآية.
قال صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور: وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} قال: يعني بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرأس، ولبس الثياب، وقص الأظفار، ونحو ذلك.
وقال أيضًا: وأخرج ابن أبي شيبة، عن محمد بن كعب قال: التفث: حلق العانة ونتف الإبط، والأخذ من الشارب، وتقليم الأظفار. اهـ. ونحو هذا كثير في كلام المفسرين وإن فسر بعضهم الآية بغيره.
وعلى التفسير المذكور فالآية تدل على: أن الأظفار كالشعر بالنسبة إلى المحرم، ولاسيما أنها معطوفة بثم على نحر الهدايا لأن الله تعالى قال: {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} [الحج: 28] والمراد بذكر اسمه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام: التسمية عند نحر الهدايا والضحايا، ثم رتب على ذلك قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] فدل على أن الحلق وقص الأظافر، ونحو ذلك، ينبغي أن يكون بعد النحر كما قال تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: أن من حلق قبل أن ينحر لا شيء عليه. كما بيناه موضحًا في سورة البقرة في الكلام على قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] ويؤيد التفسير المذكور الدال على ما ذكرنا كلام أهل اللغة.
قال الجوهري في صحاحه: التفث في المناسك: ما كان من نحو قص الأظفار، والشارب وحلق الرأس، والعانة، ورمي الجمار، ونحر البدن، وأشباه ذلك. قال أبو عبيدة: ولم يجئ فيه شِعر يحتج به اهـ منه.
قال صاحب القاموس: التفث محركة في المناسك: الشعث، وما كان من نحو قص الأظفار، والشارب، وحلق العانة، وغير ذلك. وككتف الشعث والمغبر. اهـ.
وقال صاحب اللسان: التفث: نتف الشعر وقص الأظفار. إلخ. وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره في الكلام على معنى التفث. قال ابن العربي: وهذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعرًا، ولا أحاطوا بها خبرًا، لَكِني تتبعت التَّفَثَ لغةً فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قال: إنه قص الأظفار وأخذ الشارب، وكل ما يحرم على المُحرم إلا النكاح، ولم يجئ فيه شِعر يحتج به.
وقال صاحب العين: التَّفَث: هو الرمي والحلق، والتقصير، والذبح، وقص الأظفار، والشارب، والإبط. وذكر الزجاج والفراء نحوه، ولا أراهم أخذوه إلا من قول العلماء، وقال قطرب: تَفَثَ الرجل: إذا كثر وسخه. قال أمية بن أبي الصلت:
حلقوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثا ** ولم يسلوا لهم قملًا وصئبانا

وما أشار إليه قطرب هو الذي قاله ابن وهب عن مالك، وهو الصحيح في التفث، وهذه صورة إلقاء التفث لغة، إلى أن قال: قلت ما حكاه عن قطرب، وذكر من الشعر قد ذكره في تفسيره الماوردي، وذكر بيتًا آخر فقال:
قضوا تَفَثًا ونحبًا ثم ساروا ** إلى نجدٍ وما انتظروا عليا

وقال الثعلبي: وأصل التفث في اللغة: الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك وأقذرك.
قال أمية بن أبي الصلت:
ساخين آباطهم لم يقذفوا تَفَثًا ** وينزعوا عنهم قملًا وصئبانا

انتهى من القرطبي.
والظاهر أن قوله: ساخين آباطهم البيت، من قولهم: سخا يسخو سخوًا إذا سكن من حركته: يعني أنهم ساكنون عن الحركة إلى آباطهم بالحلق، بدليل قوله بعده:
... لم يقذفوا تفثًا... ** وينزعوا عنهم قملًا وصئبانا